الجمعة، 10 ديسمبر 2010

الباحث اللبناني حسن عجمي :الثقافة الدينية أمست لدينا أداة لمحاربة وقتل بعضنا البعض



الباحث اللبناني حسن عجمي :الثقافة الدينية أمست لدينا أداة لمحاربة وقتل بعضنا البعض


أجرت المقابلة : سارة علي
القاهرة 7تشرين الاول/اكتوبر(آكانيوز)-يرى الكاتب والباحث اللبناني حسن عجمي ان المشهد اللبناني لا يختلف عن المشهد العربي والاسلامي بشكل عام،معتبراً ان هذا المشهد مازال متخلفاً لانه يرفض العلم والمنطق،عدا ذلك فانه يستخدم العلوم والتكنولوجيا من أجل التجهيل،ويضيف عجمي ان وظائف الفلسفة هي تحليل المفاهيم كمفهوم الحقيقة وتفسير الظواهر وحل المشاكل الفكرية، وهذا ما يجعل الفلسفة مرتبطة بالضرورة بالعلوم،ونفى من خلال متن المقابلة الاتية التي اجرتها معه مراسلة وكالة كردستان للانباء (اكانيوز)وجود فلسفة عربية معاصرة،ودين بالمعنى الحقيقي ،مشدداً على اننا لوكنا مسلمين أو مسيحيين حقيقيين، ما كنا طائفيين ومتناحرين ،كما اكد عجمي على ان الثقافة الدينية أمست لدينا أداة لمحاربة وقتل بعضنا البعض.

•كيف يمكن لنا تقييم أفكارك الخاصة عن الضيمياء والسوبر تخلف بالنسبة إلى المشهد الفكري في لبنان؟
-لايختلف المشهد اللبناني عن المشهد العربي والاسلامي بشكل عام. فنحن سوبر متخلفون لأننا نرفض العلم والمنطق ونستخدم العلوم والتكنولوجيا من أجل التجهيل. يوجد فرق أساسي بين التخلف و السوبر تخلف. الشعب المتخلف هو الشعب الذي لا يقدم ما هو مفيد للعالم والبشرية، بينما الشعب السوبر متخلف هو الذي يطوّر التخلف من خلال إستغلال العلم والتكنولوجيا من أجل نشر الجهل. فمثلا ً كل مذهب أو طائفة في لبنان وفي العالم العربي لديها مدارسها وجامعاتها ووسائل إعلامها، والوظيفة الأساسية لهذه المؤسسات هي معاداة ومحاربة المذاهب والطوائف الأخرى. هكذا نستخدم العلم والتكنولوجيا من أجل التجهيل . كما أن معظم نصوصنا وخطاباتنا في لبنان والعالم العربي خالية من أسس علمية وتعارض المنطق، فتقع في التناقض والدور والمصادرة على المطلوب.و هذا رفض واضح للمنطق و أساس سوبر تخلفنا.
أما فكرة الضيمياء الأساسية فهي تفكيك نظرية أن الإنسان محور الكون. من هذا المنطلق تقول الضيمياء إن كل شيء وظيفته كامنة في تحقيق ذاته واستمراريته، فالأشياء والظواهر ليست أدوات في خدمة الإنسان. فمثلا ً وظيفة الحياة قائمة في الحفاظ على ذاتها واستمرارية وجودها ولا تهدف الحياة إلى جعلنا نحن بالذات أحياء. لذا بيولوجياً ينقسم الجسد الحي إلى جسدين: جسد يتكون من خلايا تسعى إلى إبقائه حيّا ً وجسد يتكون من خلايا تسعى إلى إماتته. هكذا تكتسب الضيمياء قدرتها التفسيرية مقبوليتها. فالخلية الحية أداة لخدمة ذاتها وليست أداة لخدمتنا نحن. كما تنسف الضيمياء قيمنا التقليدية فمثلاً تعتبرأن الزندقة الفكرية فضيلة بمعنى أنه من الأفضل أن تكون معتقداتنا غير محددة وبذلك نتحررمن ذواتنا باستمرار. لكننا في لبنان وفي عالمنا العربي نرفض أي تفكيرممكن لأننا في الأساس نرفض العلم وما يرتبط به من منطق وفلسفة. فما زلنا نؤمن بمركزية الإنسان وبيقينياتنا الكاذبة.
•هل يمكن اعتبار التفكير بالفلسفة والبحث عن حلول وبدائل هي مهمة الفلسفة أم ادلجة لها؟
-تكمن أهمية الفلسفة في وظائفها المعرفية والاجتماعية. فمن وظائف الفلسفة تحليل المفاهيم كمفهوم الحقيقة وتفسير الظواهر وحل المشاكل الفكرية. وهذا ما يجعل الفلسفة مرتبطة بالضرورة بالعلوم. فمعظم الفلاسفة الكبار هم علماء ومعظم العلماء الكبار هم فلاسفة. فمثلا ً حين رفض أينشتاين نظرية ميكانيكا الكم قائلاً إن الله لا يلعب بالنرد، حينها كان يلعب أينشتاين دور الفيلسوف. والفلسفة ضرورة اجتماعية لأن أي مجتمع يتكوّن على ضوء فلسفته فإن كانت فلسفته متطورة كان متطورا ً، وإن كانت فلسفته متخلفة كان متخلفاً. ونحن اليوم بلا فلسفة وبلا علم لذا أمسينا خارج الحضارة والمجتمع والتاريخ. لا أيديولوجيا مع الفلسفة لأن الفلسفة كالعلم تماما ً عملية تصحيح مستمرة. فكما أن النظريات العلمية تستبدل بنظريات علمية أخرى كاستبدال نظرية نيوتن بنظرية أينشتاين كذلك تستبدل النظريات الفلسفية. من هنا لا توجد يقينيات في الفلسفة والعلم. لذا لا أيديولوجيا أي لا عقيدة ثابتة ويقينية مع الفلسفة والعلوم. من هنا تحررنا الفلسفة و يحررنا العلم. ورفضنا لهما يفسر لماذا نحن سجناء أنفسنا ونحيا في قبور أجدادنا.
•كيف تقيم نقد العقل الديني في الخطاب العربي الفلسفي المعاصر؟
-أولا ً، لا توجد فلسفة عربية معاصرة. ثانيا ً لا دين لنا بالمعنى الحقيقي لأننا لو كنا مسلمين أو مسيحيين حقيقيين ما كنا متناحرين وطائفيين وما كانت سيطرت علينا حروبنا الأهلية الدائمة.فلا يوجد دين يدعو إلى العنف و الارهاب كما نفعل.و ما نمارسه من ديانة مجرد استغلال للدين من أجل التجهيل وإلا كنا نحيا في حضارة متطورة. لقد أمست الثقافة لدينا ومنها الثقافة الدينية أداة لمحاربة وقتل بعضنا البعض. و أصبح المثقف كافرا ً كان أم مؤمنا ً وسيلة لخدمة السلطان. هكذا مات المثقف العربي ولم يجد من يدفنه. فلا ثقافة مع رفض المنطق و العلم و الفلسفة. ولا دين من دون وجود إنسان. فالإنسان فينا قد انتحر لأن حقوقه غائبة.على هذا الأساس كان نقدنا للعقل الديني نقداً مشوهاً لأننا نرفض المنطق و العلم و لا نعتمد عليهما في أي نقد جاد.فلم نصل إلى أية نتائج جديدة من خلال نقدنا للخطاب الديني لأننا أصلاً نرفض العلم و مناهجه.

•ما هي المصادر الفلسفية التي تقف وراء تفكيرك وتعيد قراءتها غالبا؟
-كل الكتب الفلسفية هي مصادري لأنني أؤمن بالسوبر حداثة باعتبارها علم الأفكار الممكنة. بالنسبة إلى السوبر حداثة تتساوى كل النظريات لأنها صادقة في أكوان ممكنة مختلفة. هكذا تجعلنا السوبر حداثة منفتحين على كل فكر ممكن وتسمح لنا أن نبني أفكاراً قد تكون صادقة في أكوان ممكنة بدلا ً من أن تكون صادقة بالضرورة في عالمنا الواقعي. تحررنا السوبر حداثة من خلال دعوتها إلى دراسة العوالم الممكنة، وهي بمثابة ردة الفعل على سوبر تخلفنا. أعيد قراءة كل مصادري لأني أعيد قراءة ذاتي باستمرار.
•هل اطلعت على تجارب الكتابة الفلسفية في العراق هل قرأت علي الوردي وحسام الآلوسي وغيرهم أم لا؟
- قراءة التجارب الفلسفية العراقية جزء أساسي من ثقافة أي باحث في الفلسفة. لذا من الطبيعي أن أكون على علم بالتجارب الفلسفية في العراق. فنحن اليوم نحاول أن نكمل المسيرة الفلسفية الموعودة اعتماداًًعلى أبحاث العلماء والفلاسفة كافة. فكما تأثرنا بتراثنا العلمي والفلسفي وبفلسفات وعلوم عصرنا من المتوقع أن نتأثر بأبحاث معاصرينا كالدكتور علي الوردي وحسام الآلوسي. فالتأكيد على إزدواجية الفرد لدى علي الوردي نبهنا إلى حقيقة أننا نرفض المنطق والتفكير الموضوعي، وهذا أساس سوبر تخلفنا. وإصرار حسام الآلوسي على اعتماد المنهج العلمي الموضوعي يدفعنا دوماًً إلى الدفاع عن العلم والكتابة عن النظريات العلمية المعاصرة ومحاولة نشرها في شرقنا. لكن كل هذه المحاولات منعزلة و مرفوضة من قبل الأغلبية بسبب لا منطقية تفكيرنا و معاداتنا للبحث العلمي. و معظم ما ورد في الابحاث الفكرية العربية المعاصرة مجرد أبحاث في علم الاجتماع و علم النفس بدلاً من أن يكون فلسفة حقاً لأننا ابتعدنا عن التفكير الفلسفي كالتساؤل عما هو المعنى و عما هي الحقيقة .
•كيف تنظر إلى الواقع الراهن في لبنان وهل الطائفية تنطوي على وجهة حق معينة؟
-من المستحيل أن تملك الطائفية وجهة حق لأن الطائفية تلغي إنسانية الإنسان. فعندما نكون طائفيين ننظر إلى بعضنا البعض من خلال طوائفنا أو مذاهبنا بدلاًً من أن ننظر إلى بعضنا البعض من خلال إنسانيتنا المشتركة. لقد خسرنا الانسان لأننا طائفيون بإمتياز. والطائفية قد قتلت كل المجتمعات العربية والإسلامية، وأوضح أمثلة على ذلك العراق ولبنان. فمثلاًً لا يوجد مجتمع لبناني بل نحن منقسمون إلى قبائل طائفية و مذهبية متصارعة على الدوام. وهذا ما أدى إلى استحالة قيام دولة لبنانية. الطائفية دفنت المجتمع اللبناني ودمرت إمكانية نشوء دولة لبنانية. النظام اللبناني نظام دكتاتوري في طائفيته. أما إعلامنا فكاذب. ولم نكتفِ بالطائفية بل تحولنا أيضاً إلى سوبر طائفيين حيث تم اختزال الطوائف في زعمائها وتحول الصراع من صراع على العقائد إلى صراع على مصالح الزعماء الطائفيين. في السوبر طائفية تزول العقائد والمعتقدات الدينية ويبقى الصراع الطائفي والمذهبي. فمثلا ً قليل منا من يعلم ما الفرق بين الشيعة و السنة لكننا كلنا نجيد لعبة الصراع الطائفي والمذهبي.

•ما هو رأيك في خطاب ما بعد الحداثة ؟ وهل يمكن لنا الحديث عن خطاب مماثل في الثقافة العربية؟

-حاولت أن أخرج من الحداثة ومن ما بعد الحداثة من خلال طرح فلسفة السوبر حداثة. باختصار, تقول الحداثة إن الكون محدد ولذا من الممكن معرفته بينما تقول ما بعد الحداثة إن الكون غير محدد و لذا من غير الممكن معرفته. لكن السوبر حداثة تختلف عنهما لأنها تعتبر أن الكون غير محدد و رغم ذلك من الممكن معرفته. بالنسبة إلى السوبر حداثة, من خلال لا محددّية الكون من الممكن تفسيره, وبذلك تجمع السوبر حداثة بين لا محددّية الكون و إمكانية المعرفة. فمثلا ً, تقول السوبر حداثة إنه من غير المحدد أية نظرية علمية هي النظرية الصادقة, ولذا من الطبيعي أن توجد نظريات علمية عديدة كلها ناجحة في تفسير و وصف الكون رغم اختلافها وتعارضها. هكذا تفسر السوبر حداثة هذه الحقيقة وبذلك تكتسب قدرتها التفسيرية فمقبوليتها. وهذا الموقف السوبر حداثوي يختلف عن موقف ما بعد الحداثة لأن ما بعد الحداثة تقول إن النظريات العلمية الناجحة ليست صادقة ولا كاذبة بل فقط مقبولة. كما تختلف السوبر حداثة عن الحداثة لأن الحداثة تعتبر أن النظريات العلمية الناجحة صادقة من جراء نجاحها في تفسير الكون. أما معظمنا اليوم في العالم العربي والاسلامي فنرفض الفلسفة أصلا ً, ومدعو الثقافة لا يعرفون ما الفرق بين الحداثة وما بعد الحداثة بل أصبحوا خدماً لدى السلطان وسفارات الدول الأجنبية. لا يوجد عقل فلسفي حقيقي في العالم العربي اليوم ،لأن لا فلسفة من دون منطق، ونحن نعادي المنطق أصلاً. لذا عندما أكتب في السوبر حداثة أخاطب إنسانا ً وقارئاًً افتراضياًً.
•لوطلب منك أن تلخص حسن عجمي ،فماذا تقول؟
-أنا ربع إنسان كباقي العرب والمسلمين لأن حقوقنا الإنسانية غائبة. أنا مجرد ساعٍ الى تحقيق إنسانيتي من خلال البحث الفلسفي.
•كيف يمكن أن يكون العالم خالياً من الغرضية او الغائية كما تقول؟

-حين نكون غير محددين كما تدعونا السوبر حداثة, سنتحرر من معتقداتنا ومشاعرنا وسلوكياتنا المسبقة , وبذلك نستطيع أن نقبل الآخرين ما يجعل من الممكن أن نحقق إنسانيتنا. لابد من أن نتحرر من ذواتنا بإستمرار. ويتم ذلك من خلال تحويل يقينياتنا إلى أفكار ممكنة فقط , وبذلك لن نتعصب لها ما يسمح لنا أن نبني مجتمعات إنسانية حقيقية. فالأخلاق كامنة في اللامحدد تماما ً كما العلم والفلسفة.
•هل أنت من دعاة موت الفلسفة او نهايتها؟

-طبعا ًلا. لأن الفلسفة مرتبطة بالعلم. فإذا رفضنا الفلسفة و نادينا بموتها سنرفض العلم. لكن العلم أساس الإنسان و المجتمع والديموقراطية.•
ماذا تفعل الآن في القاهرة؟

-أحاول في القاهرة أن أمارس حياة إنسان طبيعي. فطائفيتنا في لبنان هي بمثابة الدعوة الى مغادرته.القاهرة ذاكرة كل إنسان شرقي منتصر في هزائمه ومنهزم في انتصاراته.

يذكر ان الكاتب اللبناني حسن عجمي هو شاعر وكاتب وباحث في الفلسفة وحاصل على البكالوريوس فلسفة من الجامعة الأمريكية في بيروت وشهادة الماجستير في فلسفة المعرفة والميتافيزياء من جامعة كولومبيا في الولايات المتحدة الأمريكية ومن مؤلفاته كتاب مقام الراحلين – 2000 – المكتب العالي للطباعة والنشر ومعراج المعنى – 2001 – مطبعة المستقبل صيدا ، لبنان ومرايا العقول : الشعر العلمي – 2003 – دار النضال ، لبنان و وحي اللغة : بيان اللامعنى – 2003 – دار النضال ، لبنان و مقام المعرفة : فلسفة العقل والمعنى - 2004 – دار كتابات، لبنان و السوبر حداثة : علم الأفكار الممكنة – 2005 – بيسان ، لبنان و السوبر مستقبلية : الكون والعقل واللغة – 2006 – بيسان ، لبنان والسوبر أصولية – 2007 – الدار العربية للعلوم ، ناشرون ، لبنان والشعر العلمي – 2007 – الدار العربية للعلوم ، ناشرون ، لبنان والسوبر معلوماتية & وعلم الأفكار المستحيلة – 2007 - الدار العربية للعلوم ، ناشرون ، لبنان والسوبر تخلف – 2007 - الدار العربية للعلوم ، ناشرون ، لبنان والسوبر مثالية – 2007 - الدار العربية للعلوم ، ناشرون ، لبنان والميزياء : الجيزياء& الحيزياء – 2008 - الدار العربية للعلوم ، ناشرون ، لبنان والبينياء : الصيرياء& الحيرياء - 2008 - الدار العربية للعلوم ، ناشرون ، لبنان و الضيمياء - 2008 - الدار العربية للعلوم ، ناشرون ، لبنان