الاثنين، 21 مارس 2011

هل ننتمي إلى ثقافة البحر المتوسط؟



هل ننتمي إلى ثقافة البحر المتوسط؟

كتب د.عصام عبد الله

في أعقاب أحداث 11 سبتمبر 2001 نشرت مجلة " فكر وفن " الألمانية عددا خاصا بهذه المناسبة، احتوي مقالا ليورجن هايرماس ، شيخ الفلاسفة المعاصرين، عنوانه بـ"الإيمان والعلم"، أكد فيه أن : "العلم ينير العقل ويبدد أوهامه الكثيرة حول العالم। وحين نتعلم شيئا جديدا عن أنفسنا ككائنات في العالم يتغير مضمون فهمنا الذاتي. وقد قلب كوبرنيكوس وداروين صورة العالم التي كانت تتمركز حول الأرض وحول الإنسان رأسا علي عقب. بيد أن تخريب الوعي الفلكي فيما يتعلق بمدار النجوم ترك في عالم الحياة آثارا أقل مما تركه نزع الوهم البيولوجي فيما يتعلق بمكانة الإنسان في تاريخ الطبيعة. ويبدو أن المعارف العلمية تزعج فهـمنا الذاتي بدرجة أكبر كلما اقتربت منا ". المفكر اللبناني حسن عجمي صاحب كتاب " السوبر تخلف " له رأي آخر يقول في المقدمة : " الشعب المتخلف هو الشعب الذي لا ينتج ما هو مفيد للبشرية وللعلم، أما الشعب السوبر متخلف فهو الشعب الذي يطور التخلف، وذلك من خلال تقديم الجهل علي أنه علم، نحن العرب والمسلمين نحيا اليوم في عصر السوبر تخلف". ويضيف عجمي "إننا اليوم نستخدم العلم من أجل التجهيل، وذلك من خلال تحويل العلم إلي الجهل، مثلاً بالنسبة إلينا العلم وحي يوحي، ولذا فإن مدارسنا وجامعاتنا لا تخرج علماء، بل تخرج إرهابيين وبائعي سلع، كسلعة الطب والهندسة، نحن أمة أنبياء، فأصغر شاعر منَّا يدعي أن الوحي يسقط عليه، ولذا فنحن خارج الحضارة والتاريخ لأننا رفضا العلم والفلسفة والمنطق، ولذلك أمسينا عبيدًا لأسياد العلم". كلام عجمي مهم ، خاصة أننا ننتمي إلي نفس حضارة البحر الأبيض المتوسط التي أنتجت العلم والفلسفة والتكنولوجيا في العصر الحديث، ومن ثم يصبح السؤال هو : ما الذي يكبل أقدامنا " نحن " ويقيد حركتنا من الانطلاق في اتجاه المستقبل مثلما أنطلقوا " هم "؟ سان " جريجوري س. بوميرانتز " أستاذ الحضارات المقارنة في معهد المعلومات للعلوم الاجتماعية في موسكو، له دراسة مهمة في منتصف السبعينيات من القرن الماضي، بعنوان (نظرية الحضارات العالمية الفرعية، أصالة الثقافات الشرقية). يقول: " أن عالم البحر المتوسط يعارض الشرق الأقصي من حيث إنه حضارة تقوم علي حقائق الوحي الإلهي، في حين أن الحقيقة في الشرق الأقصي غير مستمدة من الوحي، ولا يمكن التعبير عنها أساسا، فالقرآن الكريم عند المسلمين، والمسيحية في نظر المسيحيين، من الحقائق المطلقة الموحي بها. أما البوذية فهي - علي العكس - تتمسك بأهداب " الصمت النبيل " فيما يتعلق بالأسرار العظمي لما يسمونه " الكائن ". وتأييدا لذلك يقول " لاو تزو " مخاطبا إياه: " أيها الغامض! أيها السديمي! ". لقد حال الطابع غير الدقيق لرموز " المطلق " في الصين والهند دون قيام الصراع بين الدين والفلسفة، ذلك الصراع الذي استشري في عالم البحر الأبيض المتوسط، بسبب اختلاف الأصل العرقي للمذاهب. فهو سامي بالنسبة للعقائد الدينية، وأغريقي بالنسبة للفلسفة، وروماني بالنسبة للقانون. ولا يوجد في الهند أو في الصين أي خلاف في اصطلاحات الفلسفة واللاهوت. ولا يتصور العقل أن يؤلف أحد كتابا في " تهافت الفلاسفة " كما فعل الغزالي، ولا " تهافت التهافت " كما فعل ابن رشد، ولم تنزل الفلسفة إلي درجة " خادمة للاهوت " كما قال توما الأكويني، ولا تمردت الفلسفة علي دورها. ولم يكابد أهل العلم محنة العقل في هذه الوحدة الثقافية غير المتطورة، ناهيك عن أن فرصة انفصال العلم عن الامتزاج بالدين وتحوله إلي قوة اجتماعية مستقلة ظلت ضئيلة للغاية".